الأحد، 18 ديسمبر 2011

العمّ خليل والستّ ليلى


خليل كرم: نظرات ذكيّة لا تغيب عنها شاردة ولا واردة


ليلى خليل كرم: ابتسامة لم يمحها الموت

العائلة في زيارة لضريح مار شربل في دير مار مارون عنّايا

طغت أخبار العمّ "خليل" على خبريّات زوجته الستّ "ليلى"، لكنّ ابتسامة "إم تريز" كانت تمحو العبوس الذي لم يكن يفارق وجه زوجها مع أنّه لا يتلاءم مع طيبة قلبه.
حين يدور الحديث اليوم عن المرحوم "خليل"، تحتلّ شيطنات أولاد الحيّ الحيّز الأكبر منها. فالرجل كان مزارعًا مؤتمنًا على حديقة قصر الثريّ العائد من البرازيل "حنّا الحاج"، الذي أورث زوجته "ميسرة" ثروة لا تأكلها النيران، ومنها هذا القصر الجميل الذي صوّرت فيه أفلام لبنانيّة كثيرة زمن العزّ وبدايات السينما.
أمّا حديقة القصر وجنائنه الخضراء الشاسعة فكانت مملكة "خليل" الذي زرع جلولها البعيدة عن القصر أنواعًا من الخضار والفاكهة تغري أولاد الجيران بسرقتها حين تغفل عين المزارع الذي لم يكن يخلع جزمة الكاوتشوك من قدميه إلّا يوم الأحد حين يرتدي ملابس تلائم القدّاس.
يروي رجال اليوم/ مراهقو الأمس حكايات طريفة عن سرقاتهم وكيف كان العمّ خليل يتعامل معها. منها أنّه في أحد الأيّام كان في دكّان "طانيوس" (بو جريس اليوم في أستراليا) حين سئل عن نوع من الأشجار إن كان يوجد منه في الحديقة، فنفى، فأسرع "شفيق" إبن "عيد" الذي كان يجالس عمّه صاحب الدكّان وقال: بلى هناك واحدة في أسفل الحديقة قرب السور، فأجاب "خليل" بمنتهى الجدّ: والله ياعمّي إنت أخبر، ما إنت ورفقاتك بتسرقوها كلّ ليلة.
عرف الرجل أنّ هناك من يغزون على حقلة "الخيار الكحّالي" نسبة إلى بلدة الكحّاله على الطريق الدوليّ المعروف بطريق الشام، لكنّه لم يعرف من هم بالتحديد، فكمن لهم ذات ليلة، وإذا بإبراهيم وغسّان وشفيق يتسلّلون إلى الحديقة ليقطفوا كم زرّ خيار تصلح لكأس عرق، فقال أحدهم لزميليه: والله هيدا خيار منيح من نوع أبو رقبة، فأجاب خليل من مخبأه: إيه عمّي إيه، هيدا هوّي خيار الكحّاله.
كلّ صبيان الحيّ تخرّجوا في الشيطنة من حديقة قصر الستّ "ميسرة الحاج" التي يهتمّ بها "خليل كرم" من الحدث، والتي يقيم مع زوجته ليلى وابنتهما الوحيدة "تريز" في بيت تابع للقصر وبعيد عنه في الوقت نفسه ما يعطيه استقلاليّة تامّة. وبعد وفاة الزوجين، بقيت الابنة في المنزل، تقود سيّارتها "الرينو" البيضاء لتتنقّل بين "الحدث" بلدة أقربائها و"الريحانيّة" حيث عاشت مع والديها اللذين فارقا الحياة تاركين لها الكثير من الذكريات والصور، ووحدة قاسية لا يخفّف منها إلّا علاقاتها بأقربائها وجيرانها وأصدقائها.
وحيدة واجهت موت والديها، ووحيدة تواجه عدم زواجها وقد تقدّم بها عمر أمضته في رعاية والدين أنجباها في كهولتهما، فكانت لهما الهديّة والسلوى ومصدر الاطمئنان إلى أنّهما لم ينتظرا عبثًا.
أذكر من "ليلى" بطنها المنتفخة برغم نحول جسمها وساقيها، حتّى أنّني كنت أحسب أنّ هاتين الساقين لن تحملا هذا الثقل كلّه، إلّا أنّ المرأة أخذت تذوب شيئًا فشيئًا بسبب مرض السكّري، ولا تزن في حساب الموازين ما يستحقّ أن يدعى ثقلًا، فكيف إن كانت خفيفة الظلّ، تلك البعلبكيّة، التي يسبقها صوتها إلى حيث تقصد. وأذكر بيتها النظيف، الذي كان يبدو لي كبيت طفلة لكثرة الدمى فيه، كأنّ الوالدين يريدان أن يتمسّكا أطول فترة ممكنة بطفولة ابنتهما.
وأذكر من "خليل" عدم تنازله عن طرف المقعد الأوّل في الكنيسة، جهة الشمال لمن يقف في مواجهة المذبح، وهي جهة الرجال قبل أن يختلطوا بالنساء في مرحلة لاحقة. الغرباء هم من كسروا التقاليد، فحين مرّت الطريق من أمام الكنيسة وصار يقصدها زائرون من البلدات المجاورة، زالت الحدود بين الرجال والنساء، ولم يجرؤ أحد من الريحانيّة على تنبيه الزائرين إلى أنّهم يهينون تقاليدنا. وكان ذلك يؤشّر إلى بداية التغيير، ودخول البلدة عصرًا جديدًا يقرّبها من المدنيّة التي ستجتاحها لاحقًا، وبلا رحمة.
في حديقة القصر، وبثياب العمل: الجزمة الكاوتشوك والبنطلون الكاكي والقبّعة الفلّين

في حديقة القصر

تريز على طريق البيت

تريز كرم في إحدى غرف قصر ميسرة الحاج

هناك تعليقان (2):

roger daoud يقول...

inchalla al am khalil ykoun samahna ala istahliette li kinna nisroukoun kama yakouloun

ماري القصيفي يقول...

كلّ اللي راحوا سامحوا، المهمّ اللي بعدن هون