الأربعاء، 23 يوليو 2025

الريحانية تودّع ابنها ابراهيم غيّا وأنا أودّع صورة الريحانيّة

 

ابراهيم بين طانيوس القصّيفي إلى يساره وخلفه والده جريس غيّا
شعانين 1982



ليل أمس، انضمّ ابراهيم غيّا (مواليد القبيّات)، رفيق والدي على المسافة بين عمريهما، الى الراحلين من أبناء الريحانيّة وسكّانها. وصار، مثلهم، مقيمًا في ذاكرتي، ومتجوّلًا حين تنزل العتمة، على دروب بلدة تعود معهم الى ما كانت عليه في زمنهم الطيّب.
رحل ابراهيم بعدما أقام طويلًا في سجن جسده، ضحيّة جلطات دماغيّة أنسته من يكون ولم تنسنا تاريخه المرح معنا. تحرّرت روحه وحلّقت إلى حيث يراقب من فوق زوجته يولا ووحيدته ليال وعائلتها.
صحيح أنّ الرجل مات بعد سنوات من المرض، لكنّه قبل ذلك عرف كيف يعيش ويفرح ويسهر ويشاكس ويمزح ويهتمّ ويشارك في مناسبات عائليّة واجتماعيّة. لقّب نفسه ب "أبو حطب" إذ كان مصرًّا على أنّه من يوقد النار في جهنم ولم يعرف أنّ آلامه على هذه الأرض ستؤهله فضلا عن قلبه الحنون وخدماته الكثيرة ليكون من أهل السماء.
حياة ابراهيم لا موته هي التي تفرض نفسها على كلماتي عنه. أفتح علبة الحلويات المعدنيّة العتيقة وقد صارت مسكنًا ل "سكّان الصور" بحسب عنوان رواية لمحمد أبي سمرا. اراقب الفرح الطاغي على الوجوه، أدعو للراحلين بالرحمة وللأحياء بطول العمر. أفكّر كيف كانت الحياة هانئة لطبقة متوسّطة الحال، استطاع أبناؤها أن يقطفوا من الحياة متعًا بسيطة وسهرات مبهجة أمام موائد عامرة بما لذّ وطاب من المازات والمشروبات.
نعم، كان ذلك متاحًا قبل ١٩٧٥ وبعدها بقليل.
نعم، كان ذلك ممكنًا لأكثر اللبنانيّين وفي أرقى المطاعم والملاهي الليليّة، قبل أن تهاجمهم الحرب وتحرم الناس من نسمات فرح تنعش أرواحهم.
***
عزيزتي يولّا،
أنت مثال الزوجة الوفية المتفانية. ذاب جسدك مع ذوبان جسد زوجك، وتألّمت بصمت هو من طبيعتك أمام صمت زوجك المفروض عليه.
عزيزتي ليال،
أنت مثال الابنة البارّة بوالديها. لم تتوانَي عن تقديم كلّ ما يلزم لتأمين الطبابة والعناية لوالدك. تذكّري أنّ والدك عرف قيمة الحياة فعاشها وكانت تليق به.
عزيزتي جمال،
أنت مثال الشقيقة المصلّية الراضية القانعة. تحمّلت رحيل أخوتك (بالجلطات الدماغيّة) وزوجك (بالكورونا) برضا المؤمنات الصابرات بعدما حملت معهم صلبان آلامهم ومعاناة عائلاتهم.
عزيزي ابراهيم،
لم أرك منذ آخر مأتم شاركتَ فيه (صرنا في لبنان نلتقي في المآتم) لكنّي الآن سأراك كلّ ليلة تتجوّل ناعمًا بسكينة النفس في ليل الريحانيّة، ترافق كلّ من عاش فيها ورحل عنها. الريحانية ملككم أنتم. أنتم الذين صنعتم هويّتها وتاريخها، وجعلتموها تفوح كالريحان بعطر المحبة والريحان والرضا والقناعة.
***
اتصل والدي اليوم بغسّان بو خليل ليخبره برحيل ابراهيم. قال له: ماتوا كلّهم ولم يبقَ سوانا. (أطال الله بعمريهما). كان والدي يملك سيّارة ويحبّ السهر وكأس العرق. فيقول لشباب البلدة: السيّارة عليي والعشا عليكن. وهكذا امتلأت حياتهم بالفرح وامتلأت علبة الحلوى بالصور وامتلأت ذاكرتي بمشاهد من لبنان بطبقته الوسطى المسموح لها بالتمتّع بحياة الليل. رحل أكثر "سكّان الصور"، وصرت أنا حارسة مرورهم في حياة الريحانيّة.
وها والدي ينعي ابراهيم، وأنا أرنو الى الصور وأندب الريحانية ولبنان.


من اليمين طانيوس يوسف القصّيفي، يوسف بشارة القصّيفي،
جريس عزيز القصّيفي، غسان بو خليل، ابراهيم غيّا

ليلة رأس السنة ١٩٧٠-١٩٧١

سهرة رأس السنة في بيروت 1970- 1971

شعانين 1979 مع مي سليم مشلب



من اليمين ابراهيم غيّا، جريس القصّيفي، غسّان بو خليل، طانيوس القصّيفي

في مطعم مانويلّا جونيه 27 أيّار 1977


1977 طانيوس القصّيفي، طانيوس الغاوي، ابراهيم غيّا،
غسّان بو خليل، عبدة القصّيفي، جميل القصّيفي

عبدو القصيفي، طانيوس القصّيفي، ابراهيم غيّا، غسّان بو خليل

من اليمين طانيوس القصّيفي، أسعد بو خليل، يوسف القصّيفي
ابراهيم غيّا، جريس القصّيفي، عبدو القصّيفي

من اليمين جميل القصّيفي، سليم مشلب، طانيوس القصّيفي، ابراهيم غيّا، عبدو القصّيفي

من اليمين ميشال سعد القصّيفي، غسّان ساسين بو خليل، طانيوس يوسف القصّيفي
ابراهيم جريس غيّا، عبدو عزيز القصّيفي 

ابراهيم جريس غيّا وفرنسوا كميل بو لحّود 

من اليمين ابراهيم وفهيم وإميل وجمال غيّا في منزل طانيوس القصّيفي

في باحة كنيسة مار الياس الريحانيّة، أحد الشعانين ١٥ نيسان ١٩٨٤