الأربعاء، 27 فبراير 2013

الياس القصّيفي الرياضيّ الذي أسرع إلى الموت









بعد نحو تسعة أشهر من الانقطاع فرضه إيقاع العمل، لم أكن أتوقّع أن أعود إلى مدوّنة الريحانيّة بعبدا بحديث عن الموت. كأنّ أشُهر الحمْل صارت عندنا تطرح أجنّة الحياة بعدما ناءت قلوبهم بثقل ما فيها.
الياس القّصيفي لم يكمل عقده الخامس هنا، بل ذهب إلى حيث يعقد جلسة ليس فيها غير الشعر والضحك مع والده وجديّه وعمّه وابن عمّه الشابّ مارون وابنة عمّه الطفلة مي، وسائر الغائبين من أهالي الريحانيّة الذين يحضرون كلّما اجتمع الأحياء لتبادل التعازي، وما عادوا يلتقون إلّا لذلك!
تناول الياس القصّيفي طعام الغداء، ودخل إلى غرفته لينال قسطًا من الراحة في قيلولة اعتاد عليها، ونسي أن يستيقظ. نام باكرًا فطار النوم من عيون أمّه الثكلى وشقيقتيه المفجوعتين وزوجته وابنتيه اللواتي لم يصدّقن بعد ما جرى، ووحيده الذي ورث باكرًا هموم الحياة.
والدته الآن في المستشفى، يحاول الأطبّاء أن يسعفوا قلبًا يريد أن يتوقّف عن الخفقان ليترك للأمّ أن تلتحق بوحيدها. لكنّ الياس يعرف أنّ أولاده في حاجة إلى وجودها إلى جانبهم، وسيطلب منها أن تكون قويّة ومؤمنة وأن ترعى ابنه وابنتيه وزوجته، وأن تكمل رسالتها بالنيابة عنه، وهو من حيث هو، بصحبة والده وجدّه وجدّته، سيسهر عليهم ويفرح لفرحهم ويشجّعهم في لحظات حزنهم.
الشابّ الرياضيّ الذي لا يعرف غير الابتسامة والحماسة، أسرع إلى الموت والحياة لمـّا تزل تليق له، وعلى الريحانيّة اليوم وهي تودّعه أن تدعو أبناءها إلى التمهّل للتأمّل في معاني الحياة والموت، في انتظار حياة لا موت فيها.
أصدقاء الرياضة، وزملاء لعب الورق والأركيلة، وبلديّة بعبدا، والعائلة، وصور الطلائع والفرسان، وكنيسة مار الياس التي كان الياس يسعى لإضافة صالة كبيرة إليها، وطرقات الريحانية ... كلّهم سيقولون له اليوم: إلى اللقاء حيث يحلو لقاء المؤمنين!